DANGER
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 اسباب انشراح الصدور 8

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
asdmamdouh
Dangerawy So3'anan
Dangerawy So3'anan



عدد الرسائل : 23
العمر : 46
Location : جامعى
تاريخ التسجيل : 18/08/2007

اسباب انشراح الصدور 8 Empty
مُساهمةموضوع: اسباب انشراح الصدور 8   اسباب انشراح الصدور 8 Emptyالأربعاء أغسطس 29, 2007 11:43 pm

ومنهم هشام بن عمار (رح) شيخ البخاري، حافظ دمشق، ومقرئها.
قال (رح) باع أبي بيتًا له بعشرين دينارًا، وجهزني للحج، فلما صرتُ إلى المدينة، أتيتُ مجلس مالك، ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها. فأتيته وهو جالس في هيئة الملوك، وغلمان قيام، والناس يسألونه، وهو يجيبهم. فلما انقضى المجلس، قال لي بعض أصحاب الحديث: سل عمّا معك؟ فقلت له: يا أبا عبد الله، ما تقول في كذا وكذا؟ فقال: حصلنا على الصبيان، يا غلام، احمله. فحملني كما يحمل الصبي، وأنا يومئذ غلام مدرك، فضربني بدرّة مثل درّة المعلمين سبع عشر درة، فوقفت أبكي، فقال لي: ما يبكيك؟ أوجعتك هذه الدرة؟ قلت: إن أبي باع منزله، ووجّه بي أتشرف بك، وبالسماع منك، فضربتني؟ فقال: اكتب، قال: فحدثني سبعة عشر حديثًا، وسألته عما كان معي من المسائل فأجابني.
وفي رواية: فقلت له: زد في الضرب، وزد في الحديث، فضحك مالك، وقال: اذهب ( ).
ومنهم محمد بن سحنون القيرواني الفقيه المالكي:
كانت له سُرّيّة (أمَة) يقال لها: أمّ مُدام، فكان عندها يومًا، وقد شغل في تأليف كتاب إلى الليل، فحضر الطعام، فاستأذنته ليأكل، فقال لها: أنا مشغول الساعة، فلما طال عليها؛ جعلت تُلقّمه الطعام حتى أتت عليه، وتمادى هو على ما هو فيه، إلى أن أذن لصلاة الصبح فقال: شغلنا عنكِ الليلة يا أم مدام، هاتِ ما عندك، فقالت: قد ـ والله يا سيدي ـ ألقمته لك، فقال لها: ما شعرتُ بذلك)) ( ).
ومنهم الإمام أحمد بن حنبل (رح) إمام أهل السنة والجماعة:
قال (رح): رحلت في طلب العلم والسنة إلى الثغور، والشامات، والسواحل، والمغرب، والجزائر، ومكة، والمدينة، والحجاز، واليمن، والعراقين جميعًا، وفارس، وخراسان، والجبال، والأطراف، ثم عدتُ إلى بغداد، وخرجت إلى الكوفة، فكنت في بيت تحت راسي لبنة! فحممتُ ! فرجعت إلى أمي رحمها الله ولم أكن استأذنتها، ولو كان عندي تسعون درهما كنت رحلت إلى جرير بن عبد الحميد إلى الري، وخرج بعض أصحابنا ولم يكن عندي شيء)) ( ).
ومنهم الإمام البخاري محمد بن إسماعيل صاحب الصحيح (رح):
قال (رح): لمّا طعنت في ثمان عشرة جعلت أصنّف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر الرسول (ص) في الليالي المقمرة. وقلّ اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة إلا أن كرهت تطويل الكتاب ( ).
سبحان الله، ولا إله إلا الله، يؤلف كتاب ((التاريخ)) وهو دون العشرين من عمره !!.
قال أبو العباس بن سعيد: لو أن رجلاً كتب ثلاثين ألف حديث لما استغنى عن كتاب ((التاريخ)) تصنيف محمد بن إسماعيل البخاري))( ).
وقال أبو سهل محمود الشافعي: سمعت أكثر من ثلاثين عالمًا من علماء مصر يقولون: حاجتنا من الدنيا النظر في ((تاريخ)) محمد بن إسماعيل)) ( ).
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: قلت له يومًا خلوة: هل من دواء يشر به الرجل، فينتفع به للحفظ؟ فقال: لا أعلم، ثم أقبل عليَّ، وقال: لا أعلم شيئًا أنفع للحفظ من نهمة الرجل، ومداومة النظر)) ( ).
ومنهم الإمام أبو زرعة الرازي عبيد الله بن عبد الكريم:
قال (رح): خرجت من الري المرة الثانية سنة سبع وعشرين ومئتين، ورجعت سنة اثنتين وثلاثين في أولها، بدأت فحججتُ ثم خرجت إلى مصر فأقمت بمصر خمسة عشر شهرًا، وكنت عزمت في بُدوة قدومي مصر أني أقل المقام بها، فلما رأيت كثرة العلم بها وكثرة الاستفادة عزمت على المقام، ولم أكن عزمت على سماع كتب الشافعي، فلما عزمتُ على المقام وجهت إلى أعرف رجل بمصر بكتب الشافعي، فقبّلتها ( ) منه بثمانين درهمًا أن يكتبها كلها، وأعطيته الكاغد ( )، وكنت حملت معي ثوبين ديبقين لأقطعهما لنفسي، فلما عزمت على كتابتها؛ أمرت ببيعهما فبيعا بستين درهمًا، واشتريت مئة ورقة كاغد بعشرة دراهم، كتبت فيها كتب الشافعي، ثم خرجت إلى الشام، فأقمت بها ما أقمت، ثم خرجت إلى الجزيرة وأقمت بها ما أقمت، ثم رجعت إلى بغداد سنة ثلاثين في آخرها، ورجعت إلى الكوفة وأقمت بها ما أقمت، وقدمت البصرة فكتبت بها عن شيبان وعبد الأعلى. وأقمت لي خرجتى الثالثة بالشام والعراق ومصر أربع سنين وستة أشهر، فما أعلم أني طبخت فيها قدرًا بيد نفسي ( ).
وقال (رح): ((لا أعلم صفا لي رباط يوم قط؛ أما بيروت، فأردنا العباس بن الوليد ابن مَزيد، وأما عسقلان، فأردنا محمد بن أبي السَّري، وأما قزوين، فمحمد بن سعيد بن سابق)) ( ).
رحم الله أبا زرعة فمن عظيم اهتمامه بالعلم، ينشغل به وهو مرابط في سبيل الله !!.
ومنهم الإمام أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس (رح):
قال (رح): أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيتُ ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، لم أزل أحصي حتى لم زاد على ألف فرسخ تركته، ما كنت سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فما لا أحصي كم رمة، ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة، وخرجت من البحرين من قرب مدينة صلا إلى مصر ماشيا، ومن مصر إلى الرملة ماشيا، ومن الرملة إلى بيت المقدس، ومن الرملة إلى عسقلان،ومن الرملة إلى طبرية، ومن طبرية إلى دمشق، ومن دمشق إلى حمص ومن حمص إلى أنطاكية، ومن أنطاكية إلى طرسوس، ثم رجعت من طرسوس إلى حمص وكان بقي علي شيء من حديث أبي اليمان، فسمعت، ثم خرجت من حمص إلى بيان، ومن بيان إلى الرقة، ومن الرقة ركبت الفرات إلى بغداد، وخرجت قبل خروجي إلى الشام من واسط إلى النيل، ومن النيل إلى الكوفة، كل ذلك ماشيًا كل هذا في سفري الأول، وأنا ابن عشرين سنة أجول سبع سنين، خرجت من الري سنة ثلاث عشرة ومئتين، قدمنا الكوفة في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة والمقرئ حي بمكة، وجاءنا نعيه ونحن بالكوفة، ورجعت سنة إحدى وعشرين ومئتين، وجرجت المرة الثانية سنة اثنتين وأربعين ورجعت سنة خمس وأربعين أقمت ثلاث سنين، وقدمت طرسوس سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة، وكان واليها الحسن بن مصعب،وكنت تنظر إلى الحسن كأنه محدّث، أحرم الرأس واللحية عليه قلنسوة حبرة، وكنت أشبهه بسنيد بن داود، وربما رأيت الوالي فأظن أنه سنيد، وربما اجتمعا فلا أميز بينهما، وفي هذه السنة فتحت لؤلؤة وأنا بطرسوس))( ).
وقال (رح): بقيت بالبصرة في سنة أربع عشرة ومئتين ثمانية أشهر، وكان في نفسي أن أقيم سنة، فانقطعت نفقتي، فجعلت أبيع ثياب بدني شيئًا بعد شيء، حتى بقيت بلا نفقة، ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة، وأسمع منهم غلى الماء، فانصرف رفيقي، ورجعت إلى بيت خال فجعلت أشرب الماء من الجوع، ثم أصبحت من الغد، وغدا عليَّ رفيقي فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد فانصرف عني، وانصرفت جائعًا؛ فلما كان من الغد غدا علي فقال: مرّ بنا إلى المشايخ قلت: أنا ضعيف لا يمكنني. قال: ما ضعفك؟ قلت: لا أكتمك أمري قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئًا؛ فقال لي: قد بقي معي دينار فأنا أواسيك بنصفه ونجعل النصف الآخر في الكراء، فخرجنا من البصرة، وقبضت منه النصف دينار ( ).
ومنهم الإمام أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي:
قال (رح): كنت في رحلتي في طلب الحديث، فدخلت إلى بعض المدن، فصادفت بها شيخًا، احتجت إلى الإقامة عليه للاستكثار عنه، وقلّت نفقي، وبعدت عن بلدي، فكنت أدمن الكتابة ليلاً، وأقرأ عليه نهارًا، فلما كان ذات ليلة كنت جاسًا أنسخ، وقد تصرّم الليل، فنزل الماء في عينيَّ، فلم أبصر السراج ولا البيت، فبكيت على انقطاعي، وعلى ما يفوتني من العلم، فاشتد بكائي حتى اتكأت على جنبي، فنمت، فرأيت النبي (ص) في النوم، فناداني: يا يعقوب بن سفيان ! لم أنت بكيت؟ فقلت: يا رسول الله، ذهب بصري، فتحسرت على ما فاتني من كتْب سنتك، وعلى الانقطاع عن بلدي، فقال: ادن منيّ. فدنوت منه، فأمرّ يده على عينيَّ، كأنه يقرأ عليهما، قال: ثم استيقظت فأبصرت، وأخذت نسخي وقعدت في السراج أكتب ( ).
الله أكبر، ورضي الله عن يعقوب.
ومنهم الإمام ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس:
قال (رح): كنا بمصر سبعة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسّم لمجالس الشيوخ، وبالليل: النسخ والمقابلة. قال: فأتينا يومًا أنا ورفيق لي شيخًا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا، فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس، فلم يمكنا إصلاحه، ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نيئًا، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشْويه.
ثم قال (رح): لا يستطاع العلم براحة الجسد ( ).
ومنهم الحافظ أبو بكر بن أبي داود، عبد الله بن سليمان بن الأشعث (رح) عليهما: قال (رح): دخلت الكوفة ومعي درهم واحد، فأخذت به ثلاثين مُدًّا باقلا (مثل الفول) فكنت آكل منه، وأكتب عن أبي سعيد الأشج، فما فرغ الباقلا حتى كتبت عنه ثلاثين ألف حديث، ما بين مقطوع ومرسل)) ( ).
وقال أبو بكر بن شاذان: قدم أبو بكر بن أبي داود سجستان، فسألوه أن يحدثهم، فقال: ما معي أصل، فقالوا: ابن أبي داود وأصل ! قال: فأثاروني، فأمليت عليهم من حفظي ثلاثين ألف حديث، فلما قدمت بغداد، قال البغداديون: مضى إلى سجستان ولعب بهم، ثم فيجوا فيجًا (أي جماعة من الناس) اكتروْه بستة دنانير إلى سجستان، ليكتب لهم النسخة، فكتبت، وجيء بها وعُرضت على الحفّاظ، فخطّؤوني في ستة أحاديث، منها ثلاثة أحاديث حدَّثتُ كما حُدِّثتُ، وثلاثة أخطأت فيها)) ( ).
رحم الله ابن أبي داود يحدث بثلاثين ألف حديث فلا يخطيء إلا في ثلاثة !!
ومنهم الإمام النسائي أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب (رح):
قال الإمام الذهبي (رح): كان من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، والبصر، ونقد الرجال، وحسن التأليف. جال في طلب العلم في خراسان، والحجاز، ومصر، والعراق، والجزيرة، والشام، والثغور، ثم استطون مصر، ورحل الحفاظ إليه، ولم يبق له نظير في هذا الشأن ( ).
ومنهم الإمام أبو بكر بن الأنباري، محمد بن القاسم (رح):
كان (رح) يأخذ الرطب يشمه، ويقول: أما إنك لطيب، ولكن أطيب منك حفظ ما وهب الله لي من العلم ( ).
مضى يومًا إلى النخّاسين (الذين يبيعون الرقيق) وجارية تعرض حسنة كاملة الوصف، قال: فوقعت في قلبي، ثم مضيت إلى أمير المؤمنين الراضي، فقال لي: أين كنت إلى الساعة؟ فعرفته، فأمر بعض أسبابه (أي غلمانه) فمضى فاشتراها، وحملها إلى منزلي، فجئت فوجدتها، فعلمتُ الأمر كيف جري، فقلت لها: كوني فوق إلى أن أستبرئك، وكنت أطلب مسألة قد أحيلت علي فاشتغل قلبي، فقلت للخادم: خذها وامض بها إلى النخّاس فليس قدرها أن تشغل قلبي عن علمي، فأخذها الغلام، فقالت: دعني أكلمه بحرفين ! فقالت: أنت رجل لك محل وعقل،وإذا أخرجتني ولم تعين لي ذنبي لم آمن أن يظن الناس في ظنًّا قبيحًا، فعرفنيه قبل أن تخرجني. فقلت لها: مالك عندي عيب غير أنك شغلتيني عن علمي! فقالت: هذا أسهل عندي. قال: فبلغ الراضي أمره؛ فقال: لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحد أحلى منه في صدر هذا الرجل)) ( ).
ومنهم الإمام الطبراني سليمان بن أحمد (رح):
قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي: سمعت الأستاذ ابن العميد يقول: ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذّ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها، حتى شاهدت مذاكرة أبي القاسم الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي، فكان الطبراني يغلب أبا بكر بكثرة حفظه، وكان أبو بكر يغلب بفطنته. وذكائه حتى راتفعت أصواتهما، ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه، فقال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي، فقال: هات، فقال: حدثنا أبو خليفة الجُمحي، قال: حدثنا سليمان بن أيوب، وحدث بحديث، فقال الطبراني: أنا ( ) سليمان بن أيوب، ومني سمعه أبو خليفة، فاسمع مني حتى يعلو فيه إسنادك، فخجل الجعابي، فوددت أن الوزارة لم تكن، وكنت أنا الطبراني، وفرحت كفرحه. أو كما قال ( ).
ومنهم الإمام أبو نصر السجزي عبد الله بن سعيد (رح):
قال الحافظ أبو إسحاق الحبال: كنت يومًا عند أبي نصر السجزي، فدُق الباب، فقمت ففتحت، فدخلت امرأة، وأخرجت كيسًا فيه ألف دينار، فوضعته بين يدي الشيخ، وقالت: أنفقها كما ترى!! قال: ما المقصود؟ قالت: تتزوجني، ولا حاجة لي في الزوج، لكن أخدمك. فأمرها بأخذ الكيس، وأن تنصرف، فلما انصرفت، قال: خرجت من سجستان بنية طلب العلم، ومتى تزوجت سقط عني هذا الاسم، وما أوثر علي ثواب طلب العلم شيئًا)) ( ).
ومنهم الإمام ابن الجوزي أبو الفرج عبدالرحمن بن علي (رح):
يقول (رح): من أنفق عصر الشباب في العلم فإنه في زمن الشيخوخة يحمد جني ما غرس، ويلتذ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذات البدن شيئًا بالإضافة إلى ما يناله من لذات العلم، هذا مع وجود لذاته في الطلب الذي كان تأمَّل به إدراك المطلوب، وربما كانت تلك الأعمال أطيب مما نيل منها كما قال الشاعر:
أهتز عند تمني وصلها طربًا وربّ أمنية أحلى من الظفر
ولقد تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين أنفقوا أعماهم في اكتساب الدنيا،وأنفقت زمن الصبوة والشباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني مما نالوه إلا ما لو حصل لي ندمت عليه، ثم تأملت حالي فإذا عيشي في الدنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين الناس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم. فقال إبليس: ونسيت تعبك وسهرك ! فقلت له: أيها الجاهل، تقطيع الأيدي لا وقوع له عند رؤية يوسف، وما طالت طريق أدّت إلى صديق.
جزى الله المسير إليه خيرًا وإن ترك المطايا كالمزاد
ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل؛ لأجل ما أطلب وأرجو. كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث،وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همّني لا ترى إلى لذة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أني عرفت بكثرة سماعي للحديث، وآداب سير الرسول (ص) وأحواله وآدابه،وأحوال أصحابه وتابعيهم، فصرت في معرفة طريقه كابن أجود، وأثمر ذلك عندي من المعاملة مالا يدرك بالعلم، حتى أنني أذكر في زمان الصبوة ووقت الغلمة والعزبة قدرتي على أشياء كانت النفس تتوق إليها توقان العطشان إلى الماء الزلال، ولم يمنعني عنها إلا ما أثمر عندي منالعلم من خوف الله عز وجل ( ).
وغيرهم كثير وكثير جدًا، لا يأتي عليهم حصر، في كل زمان ومكان، إلى زماننا هذا، فمنهم الشنقيطي وابن باز والألباني وابن عثيمين وغيرهم وغيرهم وغيرهم.
هذي المفاخر لا قعبان من لبن شيبت بماء فعادت بعد أبوالا.
رضي الله عنا وعنهم أجمعين فإنهم ((قوم سلكوا محجة الصالحين، واتبعوا آثار السلف من الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين، بسنن رسول الله (ص) وعلى آله أجمعين، من قوم أثروا قطع المفاوز و القفاز، على التنعم في الدمن والأوطار، وتنعّموا بالبؤس في الأسفار، مع مساكنة العلم والأخبار، وقنعوا عند جمع الأحاديث والآثار، بوجود الكسر والأطمار، قد رفوا الإلحاد الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية، وتوابع ذلك من البدع والأهواء والمقاييس والآراء والزيغ، جعلوا المساجد بيوتهم، وأساطينهاتكاهم، وبواريها (حصيرهم) فرشهم... قد نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم، وجعلوا غذاءهم الكتابة، وسمرهم المعارضة، واسترواحهم المذاكرة، وخلوقهم (عطرهم) المداد، ونومهم السهاد، واصطلاءهم الضياء، وتوسدهم الحصى، فالشدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء، ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس؛ فعقولهم بلذاذة السنة غامرة، قلوبهم بالرضا في الأحوال عامرة، تعلّم السنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم، وأهل اسنة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرهم أعداؤهم ( ).
ورحم الله القائل ـ ونسبت للزمخشري ـ إذ يقول:
سهري لتنقيح العلوم ألذلي من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طربًا لحلِّ عويصة أشهى وأحلى من مدامة ساقي
وصرير أقلامي على أوراقها أحلى من الدوكاء والعشاق
وألذّ من نقْر الفتاة لدُفّها نقري لألقي الرمل عن أوراقي
يا من يحاول بالأماني رتبتي كم بين مُسْتَغْلٍ وآخر راقي
أأبيتُ سهران الدجي وتبيته نومًا وتبغي بعد ذاك لحاقي
وما أجمل ما قاله الجاحظ في توصيته بالكتاب والمطالعة حيث يقول:
والكتاب هو الجليس الذي لا يُطريك، والصديق الذي لا يُغريك، والرفيق الذي لا يملُّك، والمستميح الذي لا يستريثك ( )، والجار الذي لا يستبطيك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق، ولا يحتال لك بالكذب.
والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوّد بنانك، وفخّم ألفاظك، وبجح نفسك، وعمّر صدرك، ومنحك تعظيم العوام، وصداقة الملوك، وعرفتَ به في شهر مالا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، مع السلامة من الغُرم، ومن كدّ الطلب، ومن الوقوف بباب المكتسب بالتعليم، ومن الجلوس بين يدي من أنت أفضل منه خُلقًا، وأكرم منه عرقًا ( )، ومع السلامة من مجالسة البُغضاء، ومقارنة الأغبياء.
والكتاب هو الذي يطيعك بالليل كطاعته بالنهار، ويطيعك في السفر كطاعته في الحضر، ولا يعتل بنوم، ولا يعتريه كلالُ السهر،وهو المعلم الذي إن افتقرت إليه لم يخفرْك، وإن قطعتَ عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة، وإن عُزلت َ لم يدع طاعتك، وإن هبّت ريح أعاديك لم ينقلب عليك، ومتى كنت معه متعلقًا بسبب أو معتصمصا بأدنى حبل كان لك فيه غنى من غيره، ولم تضطرك معه وحشة الوحدة إلى جليس السوء، ولو لم يكن من فضله عليك وإحسانه إيك إلا منعه لك من الجلوس على بابك، والنظر إلى المارة بك مع ما في ذلك من التعرض للحقوق التي تلزم، ومن فضول النظر، ومن عادة الخوض فيما لا يعنيك، ومن ملابسه صغار الناس، وحضور ألفاظهم الساقطة، ومعانيهم الفاسدة، وأخلاقهم الرديئة، وجهالاتهم المذمومة، لكان في ذلك السلامة ثم الغنيمة، وإحراز الأصل مع استفادة الفرع، ولو لم يكن في ذلك إلا أنه يشغلك عن سحف المُنى، وعن اعتياد الراحة وعن اللعب، وكل ما أشبه اللعب، لقد كان على صاحبه أسبغَ النعمة،وأعظم المنة.
وقد علمنا أن أفضل ما يقطع به الفُرَّاغ نهارهم، وأصحاب الفكاهات ساعات ليلهم: الكتاب،وهو الشيء الذي لا يُرى لهم فيه مع النيل أثر في ازدياد تجربة ولا عقل ولا مروءة، ولا في صون عرض، ولا في إصلاح دين، ولا في تثمير مال، ولا في ربّ صنيعة، ولا في ابتداء إنعام. ( )
وأختم هذا الفصل بهذه النصيحة الطيبة المباركة:
((تعلّموا العلم؛ فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد،وتعليمه لمن لا يُحسنه صدقة،وبذله لأهله قربة، به يُعَرف الله ويُعبد، وبه يوحَّد، وبه يُعرف الحلال من الحرام، وتوصل الأرحام،وهو الأنيس في الوحدة،والصاحب في الخلوة، والدليل على السرَّاء، والمعين على الضرّاء، والوزير عند الأخلاّء،والقريب عند الغرباء، ومنار سبيل الجنة،يرفع الله به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادة وسادةً يُقتدي بهم، أدلة في الخير تُقتص آثارهم، وترمق أفعالهم،وترغب الملائكة في خلّتهم وبأجنحتها تمسحهم،ويستغفر لهم كل رطب ويابس،حتى حيتان البحر وهوامّه،وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها، والعلم حياة القلوب من العمى، ونور للأبصار من الظّلم، وقوة للأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازل الأبرار والدرجات العلى، التفكر فيه يُعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، وهو إمام للعمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء. ( )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
اسباب انشراح الصدور 8
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
DANGER :: 
 :: الاستفسارات الدينية
-
انتقل الى: